ما هو السيروتونين؟
السيروتونين (Serotonin) هو ناقل عصبي، أي مادة كيميائية تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية في الدماغ. يُنتج السيروتونين بشكل رئيسي في الدماغ والأمعاء، حيث يوجد حوالي 90% منه في الجهاز الهضمي، بينما يتم إنتاج النسبة المتبقية في الجهاز العصبي المركزي. يتكون السيروتونين من الحمض الأميني "التربتوفان"، الذي يحصل عليه الجسم من الطعام.
يعمل السيروتونين كمنظم للعديد من العمليات الحيوية، بما في ذلك المزاج، النوم، الشهية، والهضم. كما أنه يلعب دورًا في الذاكرة، التعلم، وحتى التئام الجروح. بفضل هذه الوظائف المتعددة، يُعتبر السيروتونين مفتاحًا للصحة النفسية والجسدية (Davidson et al., 2018).
![]() |
صورة توضيحية لجزيء السيروتونين، وهو ناقل عصبي يلعب دورًا أساسيًا في تنظيم المزاج والنوم. |
كيف يعمل السيروتونين في الجسم؟
يعمل السيروتونين عن طريق الارتباط بمستقبلات محددة في الخلايا العصبية، مما يسمح بنقل الإشارات العصبية. هذه العملية تؤثر على الحالة المزاجية والشعور بالراحة. على سبيل المثال، عندما تكون مستويات السيروتونين متوازنة، نشعر بالهدوء والسعادة. أما عندما تنخفض مستوياته، قد نشعر بالقلق أو الاكتئاب.
في الأمعاء، يساعد السيروتونين على تنظيم حركة الأمعاء والهضم. كما أنه يؤثر على إفراز الهرمونات الأخرى التي تنظم الشهية. هذا الارتباط بين الدماغ والأمعاء، المعروف بـ"محور الدماغ-الأمعاء"، يبرز أهمية السيروتونين في الصحة العامة (Yano et al., 2015).
دور السيروتونين في الصحة النفسية
يُعتبر السيروتونين العامل الرئيسي في تنظيم المزاج. انخفاض مستوياته يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعديد من الاضطرابات النفسية، مثل:
- الاكتئاب: يُعتقد أن نقص السيروتونين هو أحد الأسباب الرئيسية للاكتئاب. الأدوية المضادة للاكتئاب، مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، تعمل على زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ (Cipriani et al., 2018).
- القلق: انخفاض السيروتونين قد يزيد من الشعور بالقلق والتوتر.
- اضطرابات النوم: السيروتونين هو مقدمة لهرمون الميلاتونين، الذي ينظم دورة النوم والاستيقاظ.
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من نقص السيروتونين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالوسواس القهري (OCD) أو اضطرابات الأكل مثل الشره العصبي (Marazziti et al., 2019).
![]() |
صورة توضيحية تُظهر كيف يؤثر السيروتونين على الخلايا العصبية في الدماغ لتنظيم المزاج. |
السيروتونين والصحة الجسدية
بالإضافة إلى دوره في الصحة النفسية، يؤثر السيروتونين على العديد من الوظائف الجسدية، منها:
- صحة القلب: يساعد السيروتونين في تنظيم ضغط الدم وتقليل الالتهابات، مما يدعم صحة القلب والأوعية الدموية.
- الهضم: ينظم حركة الأمعاء ويساعد في الوقاية من اضطرابات مثل متلازمة القولون العصبي.
- التئام الجروح: يساهم السيروتونين في تنشيط الصفائح الدموية، مما يساعد على التئام الجروح (Berger et al., 2009).
عوامل تؤثر على مستويات السيروتونين
هناك عدة عوامل قد تؤثر على إنتاج السيروتونين وتوازنه في الجسم، منها:
- النظام الغذائي: الأطعمة الغنية بالتربتوفان، مثل الدجاج، الموز، والمكسرات، تدعم إنتاج السيروتونين.
- التمارين الرياضية: النشاط البدني يزيد من إفراز السيروتونين ويحسن المزاج.
- النوم: قلة النوم قد تقلل من مستويات السيروتونين.
- الإجهاد: الإجهاد المزمن يمكن أن يستنزف احتياطيات السيروتونين.
- التعرض للضوء: ضوء الشمس يحفز إنتاج السيروتونين، ولهذا يعاني البعض من الاكتئاب الموسمي في الشتاء (Lambert et al., 2002).
كيفية زيادة مستويات السيروتونين بشكل طبيعي
لحسن الحظ، هناك العديد من الطرق الطبيعية لتعزيز مستويات السيروتونين، وتشمل:
- تناول أطعمة غنية بالتربتوفان: مثل البيض، الأسماك الدهنية، والشوكولاتة الداكنة.
- ممارسة الرياضة بانتظام: التمارين مثل المشي أو اليوغا تزيد من إفراز السيروتونين.
- التعرض للشمس: قضاء 15-20 دقيقة يوميًا في ضوء الشمس يمكن أن يعزز إنتاج السيروتونين.
- التأمل واليقظة: ممارسات مثل التأمل تقلل من التوتر وتدعم توازن السيروتونين.
- النوم الجيد: الحفاظ على جدول نوم منتظم يساعد في استقرار مستويات السيروتونين.
![]() |
صورة تعكس نمط حياة صحي يدعم إنتاج السيروتونين، مثل الرياضة والتغذية المتوازنة |
السيروتونين والأدوية
في بعض الحالات، قد يحتاج الأشخاص إلى أدوية لتنظيم مستويات السيروتونين، خاصة في حالات الاكتئاب أو القلق الشديد. الأدوية مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) تعمل على زيادة توافر السيروتونين في الدماغ. ومع ذلك، يجب استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبي، حيث قد تسبب آثارًا جانبية مثل الغثيان أو اضطرابات النوم (Ferguson, 2001).
أحدث الأبحاث حول السيروتونين
تستمر الأبحاث في استكشاف السيروتونين ودوره في الصحة. تشير دراسات حديثة إلى أن السيروتونين قد يلعب دورًا في علاج اضطرابات مثل التوحد والفصام. كما يتم دراسة تأثيره على المناعة، حيث يبدو أن السيروتونين يؤثر على استجابة الجسم للالتهابات (Herr et al., 2020).
علاوة على ذلك، هناك اهتمام متزايد بمحور الدماغ-الأمعاء، حيث يُعتقد أن تحسين صحة الأمعاء من خلال البروبيوتيك قد يعزز إنتاج السيروتونين ويحسن الصحة النفسية (Clapp et al., 2017).
الخلاصة
السيروتونين هو أكثر من مجرد "هرمون السعادة"؛ إنه مفتاح للتوازن النفسي والجسدي. من خلال فهم دوره وتأثيره على حياتنا، يمكننا اتخاذ خطوات بسيطة لتعزيز مستوياته بشكل طبيعي، مثل تحسين النظام الغذائي، ممارسة الرياضة، والحفاظ على نمط حياة صحي. بينما تستمر الأبحاث في الكشف عن أسرار هذا الناقل العصبي، يبقى السيروتونين رمزًا للارتباط العميق بين العقل والجسم.
المراجع
- Berger, M., Gray, J. A., & Roth, B. L. (2009). The expanded biology of serotonin. Annual Review of Medicine, 60, 355-366.
- Cipriani, A., et al. (2018). Comparative efficacy and acceptability of 21 antidepressant drugs for the acute treatment of adults with major depressive disorder. The Lancet, 391(10128), 1357-1366.
- Clapp, M., et al. (2017). Gut microbiota’s effect on mental health: The gut-brain axis. Clinics and Practice, 7(4), 987.
- Davidson, J. R., et al. (2018). Serotonin and its role in psychiatric disorders. Journal of Psychopharmacology, 32(5), 567-579.
- Ferguson, J. M. (2001). SSRI antidepressant medications: Adverse effects and tolerability. Primary Care Companion to the Journal of Clinical Psychiatry, 3(1), 22-27.
- Herr, N., et al. (2020). Serotonin and the immune system: A new frontier in psychoneuroimmunology. Frontiers in Immunology, 11, 568.
- Lambert, G. W., et al. (2002). Effect of sunlight and season on serotonin turnover in the brain. The Lancet, 360(9348), 1840-1842.
- Marazziti, D., et al. (2019). Serotonin and obsessive-compulsive disorder. Current Psychiatry Reviews, 15(2), 87-93.
- Yano, J. M., et al. (2015). Indigenous bacteria from the gut microbiota regulate host serotonin biosynthesis. Cell, 161(2), 264-276.