كلنا نعرف القاعدة الذهبية: "لتران من الماء يوميًا لصحة أفضل". نحمل زجاجات المياه معنا في كل مكان، ونشعر بالفخر عندما نتذكر أن نرتوي. ولكن ماذا لو كانت هذه الحاجة الملحة لشرب الماء لا تهدأ أبدًا؟ ماذا لو وجدت نفسك تستيقظ ليلًا فقط لتشرب، وتشعر بأن فمك جاف كأنه صحراء رغم كل ما تشربه؟
هنا، يتحول الأمر من عادة صحية إلى مؤشر يستحق الانتباه. وهذا هو جوهر التحذير الذي قدمه الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة، والذي يربط بين العطش المفرط واحتمالية وجود مشاكل صحية أعمق.
"الجسم السليم لا يخزن الماء": فلسفة الدكتور حسام موافي
يشرح الدكتور موافي بأسلوبه المبسط أن الجسم السليم يمتلك نظامًا دقيقًا لتوازن السوائل. ببساطة، أي ماء زائد عن حاجة الجسم، تتكفل الكلى السليمة بإخراجه في البول. ولكن عندما يكون الجسم مريضًا، خاصة في حالات أمراض القلب أو الكبد أو الكلى، يختل هذا التوازن.
وهنا يأتي تحذيره المهم:
"المريض اللي عنده مشكلة في القلب أو الكلى أو الكبد، جسمه بيخزن الماية في مكان تالت غلط (Third Space)، وده اللي بيعمل التورم. العطش في هذه الحالة مش مجرد عطش عادي، ده دليل على خلل كبير في إدارة السوائل داخل الجسم."
إذًا، العطش الدائم قد لا يكون مجرد طلب للمزيد من الماء، بل صرخة استغاثة من أعضاء حيوية في جسدك.
العطش الطبيعي مقابل العطش المرضي: كيف تفرق بينهما؟
قبل أن تشعر بالقلق، من المهم أن تميز بين رد الفعل الطبيعي للجسم والحالة التي تستدعي الفحص. إليك جدول مقارنة لمساعدتك:
العلامة | العطش الطبيعي ✅ | العطش الذي قد يكون مرضيًا ⚠️ |
---|---|---|
السبب | واضح ومؤقت: ممارسة الرياضة، الطقس الحار، تناول طعام مالح أو حار، حمى بسيطة. | مستمر وبدون سبب واضح، يلاحقك طوال اليوم ولا يرتوي مهما شربت. |
الشعور بعد الشرب | تشعر بالارتواء الفوري وتتوقف عن التفكير في الماء. | الارتواء مؤقت جدًا أو لا يحدث، ويظل الشعور بالجفاف في الفم والحلق. |
الكمية | زيادة معقولة في شرب الماء خلال اليوم. | شرب كميات كبيرة بشكل لافت (أكثر من 4-5 لترات يوميًا) مع تبول متكرر. |
الأعراض المصاحبة | لا توجد أعراض أخرى مقلقة. | كثرة التبول (خاصة ليلًا)، فقدان وزن غير مبرر، إرهاق دائم، جوع شديد، تشوش الرؤية، بطء التئام الجروح. |
الأسباب المحتملة وراء هذا العطش المقلق
إذا كانت الأعراض في العمود الثاني من الجدول تبدو مألوفة لك، فقد يكون السبب أحد الحالات التالية:
![]() |
التشخيص الدقيق يبدأ من حوار صريح مع طبيبك حول كل ما تشعر به. |
1. مرض السكري (النوع الأول والثاني)
هو المشتبه به الأول والأكثر شيوعًا. تخيل أن دمك أصبح "شرابًا مُحلى" بسبب ارتفاع السكر. يحاول جسمك يائسًا تخفيف هذا التركيز العالي بسحب السوائل من الأنسجة، مما يرسل إشارة عاجلة إلى دماغك بأنك تحتاج إلى الماء. في نفس الوقت، تعمل الكلى بجهد إضافي لتصفية هذا السكر الزائد عبر البول، وهذا يسحب معه كميات هائلة من الماء، فتدخل في حلقة مفرغة من العطش والتبول.
2. السكري الكاذب (Diabetes Insipidus)
اسمه مشابه، لكنه مرض مختلف تمامًا. هنا، المشكلة ليست في سكر الدم، بل في هرمون (ADH) المسؤول عن إخبار الكلى بالاحتفاظ بالماء. عندما يكون هناك نقص في هذا الهرمون أو عندما لا تستجيب الكلى له، فإنها تتخلص من الماء بدون توقف، مما يجعلك تشعر وكأنك صنبور مفتوح، وتشعر بعطش هائل لتعويض ما تفقده.
3. مشاكل الكلى (Kidney Problems)
الكلى هي "محطة تنقية المياه" في جسمك. عندما تبدأ وظائفها بالضعف (كما في الفشل الكلوي)، تفقد قدرتها على تنظيم السوائل والأملاح بشكل فعال. هذا الخلل يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعطش كأحد الأعراض المبكرة.
4. أسباب أخرى أقل شيوعًا ولكنها مهمة:
- جفاف الفم (Xerostomia): أحيانًا، لا يكون الجسم كله بحاجة للماء، بل الفم فقط هو الذي يشعر بالجفاف الشديد. هذا قد يكون أثرًا جانبيًا لأدوية كثيرة (مثل أدوية الضغط، مضادات الاكتئاب، ومضادات الحساسية) أو بسبب أمراض مناعية كمتلازمة "شوغرن".
- العطش النفسي (Psychogenic Polydipsia): هي حالة نفسية تدفع الشخص لشرب كميات هائلة من الماء دون حاجة فسيولوجية حقيقية، وغالبًا ما ترتبط ببعض الحالات النفسية التي تحتاج إلى علاج متخصص.
- الحمل: زيادة حجم الدم والتغيرات الهرمونية أثناء الحمل يمكن أن تزيد من الشعور بالعطش بشكل طبيعي.
شعرت بالقلق؟ إليك 3 خطوات عملية الآن
إذا قرأت ما سبق وبدأت تشعر بالقلق، لا داعي للهلع. المعرفة هي الخطوة الأولى نحو الحل. إليك ما يمكنك فعله:
- راقب ودَوِّن: لمدة يومين، حاول تدوين كمية الماء التي تشربها تقريبًا، وعدد مرات ذهابك إلى الحمام. كن ملاحظًا لأي أعراض أخرى، مهما بدت بسيطة.
- لا تشخص نفسك: الإنترنت مصدر رائع للمعلومات، لكنه ليس بديلًا عن الطبيب. تجنب القفز إلى استنتاجات قد تزيد من قلقك.
- احجز موعدًا مع طبيب: هذه هي الخطوة الأهم. جهز ملاحظاتك وقائمة بالأدوية التي تتناولها، واعرضها على طبيب (طب عام أو باطنة). فحص دم بسيط لمستوى السكر ووظائف الكلى قد يكشف الكثير ويمنحك الطمأنينة.
🧭 متى تزور الطبيب؟
إذا لاحظت أنك تشرب الماء بشكل مفرط دون مجهود واضح، وتعاني من:
- كثرة التبول، خاصة ليلًا
- فقدان وزن غير مبرر
- إرهاق مزمن أو تشوش ذهني
فعليك فورًا إجراء:
- تحليل سكر صائم
- تحليل وظائف كلى
- تحليل هرمون ADH (إذا اشتبه في السكري الكاذب)